السرعة هي اهم سمة في العصر الحديث. وربما تكون هي ايضا اهم نقطة يدور حولها الجميع. حتى رواد الاعمال من يرغبون ان يصلوا لأهدافهم بمنتهى السرعة ، اصبح الجميع غير صبور ومحبط للغاية اذا ما لم تحقق له ما يريد في اقل وقت ، غافلين ان السرعة ليست المطلوبة وانما هي روح الابداع.
الافكار الابداعية هي السر ، وهي مفتاح كل طريق مغلق امامك، وهي سبيلك لتحقق اهدافك.
ولهذا قمت بحصر اهم 7 اسباب وراء سر اختفاء روح الابداع من مخيلتنا ، لنتدارسها سويا ، وهي كالتالي :
1- لقد كبرت :
كل الاطفال الصغار ينشأون على احلام وافكار وخيالات ، ويرسمونها كمستقبل لهم ، يطوفون معها في سماء الخيال آملين انهم سيصلون لها يوما ما. ومع مرور الوقت والسنوات ، هؤلاء الاطفال يكبرون وتبدأ تلك الاحلام في التلاشي ، ويبدأون في التفكير بعقلانية اكثر ، ويتراخي الخيال امام الواقع والروتين. ويظل قليلين جدا من يتمسكون باحلامهم ويتشبثون بها حتى يحققوها.
اذا ما زرت يوما اي مؤسسة تعمل في المجال الابداعي مثل : مصممي المواقع مثلا ، مطوري الالعاب الالكترونية ، مهندسين او حتى مبرمجين ستجد في احد الاركان المنزوية بالمكتب لعبة … نعم انها لعبة صغيرة . فهذا المبدع لم يقتل بداخله روح الابداع حتى مع مرور الوقت ووصوله للمرحلة العمرية هذه. وانما حافظ عليها ونماها لتساعده في تحقيق احلامه ورسم خطوات نجاحه بكل ثقة.
في شركة جوجل مثلا ، ادركت هذه المؤسسة اهمية الابداع الفردي لكل شخص يعمل بها، لذا حولت الشركة جميع مكاتبها وممراتها الى لوحات فنية بديعة تشرق بالألوان وتنقلك من طابق لآخر وكأنك طفل صغير تتنقل في احد الملاعب او الملاهي. حتى انهم وضعوا كراسي على هيئة اكياس حبوب الخاصة بالاطفال في غرف الاجتماعات الخاصة بهم.
2- حاجتك لصنع الثروة احبطت روحك الابداعية:
حين يصل الشاب الى مرحلة البلوغ ، فكل من حوله بدءا من والديه وعائلته ومدرسيه واصدقائه يبدأون في التحدث حول كيف يخطط في اعالة نفسه والاعتماد على وظيفة ما يكسب من ورائها المال ليضمن حياة كريمة “عادية وروتينية بحتة“. ربما ايضا ينصحونه بارتياد كلية ما بعينها ليضمن الوظيفة . وهنا يبرمج العقل على هذه الفكرة وهي “كيف اصنع المال..؟”
ويبدأ العقل في تناسي الحلم وتلك الافكار التي لمعت في الصغر ونسجت حولها آلاف الخطط والمغامرات والاحلام. وتشكل حاجتنا للمال النقطة المحورية في التفكير والتدبير.
ولكن يظل هناك بعض الشباب الذين يثورون على تلك الحياة الروتينية البحتة ويتشبثون بأحلامهم ويحاربون بكل الطرق حتى يحققوها. واذا لم يفعلوا هذا هل تساءلت يوما :
اذا فكر كل شخص منا في العمل بوظيفة ثابتة وكسب المال لعيش حياة طبيعية عادية وكريمة كما يسمونها ، هل كنا سنسمع عن الموسيقيين ، مصممي الازياء ، الفنانين او الرسامين والنحاتين … الخ .هؤلاء هم من حافظوا على روحهم الابداعية وافكارهم في الصغر واصبحت لهم في الكبر وظيفة ومنهج حياة ووسيلة للربح والترزق.
3- بعض الادوية والمستحضرات الطبية الخطيرة:
هناك بعض انواع المستحضرات الطبية التي يأخذها اطفال يعانون من بعض الاضطرابات سواء في التواصل مع زملائهم في الفصل ، او انواع من الاكتئاب ، او من اي مرض آخر. ولكن هذه الانواع من الادوية والمستحضرات الطبية قد يكون لها ابلغ الأثر في التأثير على الجانب الابداعي للطفل وتدمير كامل لمركز الابداع عنده.
اصبح هذا هو حال كل عائلة ينشا فيها طفلا غير طبيعي من وجهة نظرهم فياخذونه لدى الطبيب الذي لا يتردد ابدا في وصف العديد والعديد من الادوية والمستحضرات الطبية التي تقتل عقول واحلام اطفالنا دون ان ندري.
فتخيل معي ماذا كان سيحدث لو فقدنا مثلا : موتسارت او فان جوخ …؟ الم يكونوا اطفالا مرضي ذات يوم وكانوا يعانون من بعض المشاكل الصحية…؟
4- مشاكل في النوم :
يعاني البعض منا مشاكل في النوم ، ربما لا ينوالون قسطا وافيا من النوم ، او يصابون بأرق فلا يستطيعون النوم. وللعلم هناك نوعان اساسيان للنوم : النوم العميق ، والنوم الخفيف. والنوم الخفيف هو ذلك النوم الذي يسبق النوم العميق والذي لا يزال العقل فيه واعيا بما يدور حوله ولو كان بنسبة بسيطة. والنوم العميق هو النوم الذي يبدأ في العقل بتخزين كل المعلومات التي حدثت طوال اليوم واستعراضها على هيئة كتالوج ، وهذا هو النوع الذي يحافظ على ابداعية الانسان ، فتلك المعلومات المخزنة لااراديا في العقل والتي يستعرضها مرة اخرى في اثناء نومنا العميق ما يثمر فيما بعد الافكار الابداعية والفريدة ، فكثيرا منا اول ما يستيقظ من النوم يشرح فكرة رآها أمام عينيه وهو نائم ، منا ما يفسرها على هيئة احلام فقط ومنا من يأخذها ويحولها لحقيقة ملموسة.
5- مشاهدة التلفاز لفترات طويلة دون حراك :
عدد من الدراسات التي دارت حول تلك النقطة ومدى ارتباط روح الابداع والفكر عند الانسان بمشاهدة التلفاز لفترات طويلة. اهمها هي الدراسة التي نشرها الدكتور “هيربرت كروجمان” عام 1969. في هذه الدراسة تناول هيربرت النتائج التي تترتب على الدماغ البشري عند مشاهدة التلفاز لفترات طويلة دون انقطاع ووجد ان الامواج الدماغية تتحول من “امواج بيتا” الى “امواج الفا” ووصف الانسان في هذا الوقت ” كالنبات المزروع امام شاشة التلفاز” . وعلى الرغم ان مشاهدة التلفاز لفترات طويلة قد تكون مفيدة في بعض الاوقات لمن يعانون من ارتفاع الضغط وتهديء من روعهم حيث تشتت انتباههم عن مصدر الضغط والتوتر ، الا انها تؤثر على العقل اللاواعي للانسان وهو ما يعاني منه اغلب الامريكان حيث ان نسبة الامريكان في مشاهدة التلفاز لفترات طويلة هي الاكبر في العالم.
6- التعب والارهاق :
العصر الحديث كما سبق وذكرنا عصر السرعة ، فنحن نركض طوال الوقت . نسابق عقارب الساعة لننهي اعمالنا ، اجتماعات ومقابلات ، اطفال والتزامات عائلية ، كل هذا من اجل عدم الشعور بالندم لتقصيرنا في حق اي شيء أو اي شخص.
هذا كله بالطبع لابد له من مقابل ، تضحية من اجل ان يتم على اكمل وجه ، وبالطبع يكون الثمن المثالي والمناسب لهذا هو “قلة النوم”. وننسى ان مع مرور الوقت يؤدي هذا الى ارتفاع الضغوط النفسية والتوتر واستنزاف حاد لطاقاتنا. ومع الوقت يفقد الاشخاص ميولهم الابداعية.
7- نظام تعليم غير مثالي:
من الطفولة وحتى الجامعة نمر بمراحل تعليمية غير مبدعة ابدا ولا تساعد اي طفل على نمو الروح الفكرية والابداعية لديه. فدائما ما تكون الاسئلة في الامتحانات على هيئة اختياري ومنها تختار الاجابة الصحيحة والباقي خطأ …. هذا النوع من الاسئلة لا ينمي لدى الطفل قدرات عقلية وابداعية خلاقة وانما يبرمجه على اسئلة بعينها واجوبتها الصحيحة فقط. حتى في الجامعة الاختبارات والاسئلة تظل على نفس الشكل.
نفس اسلوب القوالب المصمتة ، الصور والامثلة كلها على هيئة قوالب . حتى وان رغبت في اجتياز اختبار القيادة ، فمطلوب منك المرور بنفس انماط الاسئلة المصمتة واختيار من بين متعدد الاجابة الوحيدة الصحيحة.
لقد خلقنا مجتمعا منذ صغره وحتى البلوغ يفكر بنفس الطريقة في كل شيء. لا يوجد اي مجال للابداع ، لا يوجد مجال لاستخدام الخيال او حرية التعبير. فمثلا :
هل رأيت يوما سؤالا يطلب منك الاجابة فيه عن : ماذا يمكن ان تفعل لو اصبحت مديرا لمؤسسة اتصالات كبرى …؟ ما هي خططك للعمل ..؟ ما هي افكارك التسويقية …؟ كيف يمكن ان يكون شكل الدعاية والاعلان عن منتجاتك …؟
حتى في الكليات المتخصصة نادرا ما تجد مثل هذه النوعية من الاسئلة التي تفتح المجال امام خيال الطالب وتطلب منه الابداع في الاجوبة…!