عنصرية …. صراع …. معاناة …. طفولة مشردة …. فقر مدقع …. تشرد …. سجن …. لهو …. سرقة …. ثم نقطة تحول.
هذه الكلمات هي بإختصار تلخيص سريع لحياة احد اشهر خطيب امريكي مسلم ، يجهل العديد من المسلمين قصة حياته ومعاناته في صراعه مع عنصرية دامت لسنوات.
مالكوم اكس …. او الحاج مالك شباز
طفل فقير ولد في نيويورك بأمريكا لوالد اسود قسيس وام هندية وسبعة اخوة. كان يحبه والده كثيرا ويعطف عليه في طفولته. وقد أنشأ جمعية بنيويورك نادى فيها بصفاء العرق الاسود وعودته من جديد لأصوله الافريقية. وحارب كثيرا ضد التفرقة العنصرية بين البيض والسود في الحياة الامريكية.
الا ان هذا الطفل يتعرض في سن مبكرة جدا لصدمة كبرى في حياته حيث يقتل والده امام عينيه على يد جماعة من العنصريين البيض لتبدأ رحلة كراهية بشعة في قلب هذا الطفل الاسود. وعانت اسرته من الفقر كثيرا وتردت احوالهم وعملت والدته كخادمة في العديد من المنازل الا انها سرعان ما تطرد بسبب لونها. ورفضت امه المساعدات والهبات التي كان يتفضل عليهم البيض بها واصرت على الحفاظ على كرامتهم المتبقية ، الا انها لم تستحمل كثيرا واصيبت بمرض عقلي ودخلت للمشفى. ليتشرد مالكوم واخوته السبعة.
كان مالكوم تلميذا ذكيا في المرحلة الابتدائية الا ان العنصرية الزائدة عاندته كثيرا ورغم تفوقه الرياضي والجسدي الا انه دخل مرحلة بائسة من التسكع والتشرد وفصل من الدراسة . وفي سن السادسة عشر نتيجة للتدهور الاخلاقي الذي اصبح فيه اودع سجن الاحداث. وقرر اثناء سجنه ان يستكمل دراسته الثانوية ورغم تفوقه الدراسي وقوته الجسمانية الا انه ما زال يعاني من العنصرية الجوفاء حوله.
خرج من سجن الاحداث ليزداد كراهية للعنصرية التي تطارده في كل مكان وكلمة “يا اسود” التي يسمعها اينما وضع قدمه. وقرر السفر لأقاربه في بوسطن. وبالفعل سافر لبوسطن ليدخل عالما آخر ، مختلف كثيرا عن الموجود بنيويورك. تعرف على العديد من السود في بوسطن وتعلم منهم اشياء كثيرة لوحظت عليه عند عودته مرة اخرى لنيويورك.
وفي نهاية دراسته الثانوية سأل مدرسه سؤالا حول حلم كل طالب بعد انتهاء المرحلة الثانوية ، واذ بمالكوم يجيب عن رغبته ان يكون محاميا. وهنا سخر منه المدرس كثيرا وقال له ان يتوف عن هذا الحلم لأنه لن يستطيع تحقيقه ابدا. وهذه كانت الصدمة الثانية في حياة مالكوم بعد وفاة والده.
سافر مالكوم الى بوسطن مرة اخرى وانبهر بحياة اللهو والترفيه الزائدة بها وابتلعته تلك الحياة بداخلها. وعاد مرة اخرى لنيويورك حيث عمل بعدة وظائف منها عامل بالسكة الحديد وعمل كبائع متجول ليتعلم الا يثق في احد ابدا.
جاءت الحرب العالمية الثانية لينتشر الفساد في كل مكان وتبتلعه دائرة الفساد ايضا ليدخل عالم المجون والملذات والسرقة لخمس سنوات كاملة. ليقبض عليها ويسجن لمدة 10 سنوات. تلك السنوات العشر تعتبر اول نقطة تحول في حياة مالكوم.
بيمبي ….
دخل مالكوم سجن “تشارلز تاون” بيتعرف على اول شخصية مؤرة في حياته وهو “بيمبي” الذي هز قواعد الكفر والالحاد في نفس مالكوم ووجه نظره تجاه الدين واثره على النفس. كما نصحه بيمبي بالتعلم والقراءة فحرص مالكوم على التعلم في السجن وبالفعل تعلم اللغة اللاتينية.
اسلام اخوته :
نقل مالكوم الى سجن كونكورد وهنا جاءه خطاب من اخاه “فيلبيرت” يعلمه فيه بأنه واخوته قد اهتدوا للدين الحق.
اسلامه :
نقل مالكوم بعد ذلك لسجن “ينورفولك” حيث زاره اخاه “ويجالند” ليخبره انه اسلم وانه انضم إلى حركة “أمة الإسلام” بزعامة “إليجا محمد”. تلك الجماعة التي أسست على العنصرية ضد البيض وعلى اسس اسلامية مشوهة. وهنا بدأت رحلة مالكوم مع اليجا محمد الذي راسله وعرف منه كل ما يريد حول هذه الحركة وآمن بها رغم افكارها العنصرية. وبدأ مالكوم في تثقيف نفسه ودأب على القراءة لأكثر من 15 ساعة يوميا حتى انه قرأ في التاريخ والفلسفة والدين. وتألقت لديه روعة الخطابة وبدأ في دعوة زملاءه بالسجن لدخول “امة الاسلام” واشتهر بينهم بأسلوبه الرائع في الخطاب.
خروجه من السجن :
بعد خروجه من السجن قرر مالكوم ان يتعمق اكر في فهم تعاليم امة الاسلام والتقى بإليجا محمد وحفظ الفاتحة وبدأ رحلته في دعوة الشباب في البارات والصالات وتأثر به العديد واشتهر واصبح خطيب مسجد ديترويت. سافر الى العديد من المدن وخاطب كل بلغته وكان همه الاول هو الدعوة لأمة الاسلام.
ولقد تزوج وانجب 3 بنات . وبدأت رحلته الاعلامية حيث برز اسمه في وسائل الاعلام كمتحدث باسم حركة أمة الإسلام وأصبح نجما إعلاميا.
تملثت دعوة مالكوم في :
أن للإنسان الأسود حقوقا إنسانية قبل حقوقه المدنية، وأن الأسود يريد أن يكرم كبني آدم، وألا يعزل في أحياء حقيرة كالحيوانات وألا يعيش متخفيا بين الناس.
اضطرابه وسفره لمكة :
في بداية الستينات سادت حياة مالكوم حالة من الاضطراب والقلق بعد تنامي اخبار عن علاقات مشبوهة لزعيمه اليجا محمد. وان لديه عدد من الابناء الغير شرعيين. وهنا دخلت العلاقة بينه وبين اليجا الى نفق مظلم قرر على ارها السفر لرحلة حج والتعرف اكر عن تعاليم الدين الاسلامي.
زار القاهرة ومنها ركب الطائرة لمكة وهناك استقبل بحفاوة كبيرة افرحت صدره وتقابل هناك مع العديد من الشخصيات التي فتحت امام عينيه الدرب الصحيح للاسلام الحقيقي وتعلم الصلاة حيث لم يكونوا يصلون ابدا في جماعة امة الاسلام. رأى مشهد الكعبة المشرفة وافتتن بقداسة المشهد ، ومكث 12 يوما رأى فيها اسلاما مختلفا عن الذي سمع عنه ونادى به في السنوات الماضية. رأي الابيض والاسمر والاصفر كلهم يجلسون جنبا الى جنب في الحرم المكي ، سواسية لا يوجد عنصرية او تكبر او تعالي لأحد على أحد.
غيّر مالكوم اسمه إلى الحاج مالك شباز والتقى بالملك فيصل ، وبعدها زار عدد من الدول الافريقية الاخرى. ليشهد التاريخ انه في 12 يوما ما فاق عمره البالغ 39 عاما الماضية.
عودته لأمريكا :
بعد عودته من رحلة الحج أسس جماعة جديدة تدعو للدين الاسلامي الصحيح ، المذهب السني، ليضع مالكوم اساس المذهب السني في الاراضي الامريكية ويبدأ دعوة الشباب من جديد ويسلم علي يديه العديد والعديد منهم : الملاكم الشهير محمد على كلاي.
وفاته :
عرف مالكوم العداء الشديد الذي يضمره له اتباع امة الاسلام بعد انشقاقه عنهم ، وعاندته وسائل الاعلام كثيرا وعارضت نشر اي فيديوهات او لقاءات له لدعوته الجديد للدين الاسلامي الصحيح. وعرف انه سيتم اغتياله لا محالة ، لكنه كان كل يوم يفتح عينيه ليدرك انه مازال هناك يوما جديدا في انتظاره ليعل به شيئا مهما.
وفي احدى محاضراته في يوم الأحد (18 شوال 1384هـ= 21 فبراير 1965م) نشبت مشاجرة في الصف التاسع من الحضور التفت اليها الجميع لينتهز الفرصة هنا القتلة ويقتلوه بأكثر من 15 رصاصة في صدره. ليتوفي عن عمر يناهز الاربعين على الدين الاسلامي ، المذهب السني.
لم يعش طويلا وانما جعل من حياته رمزا للحرب ضد العنصرية ومساواة البشر دون الوقوف على لون او عنصر معين ، وانما كلهم سواء. ربما يجهله البعض ولكن التاريخ حفظ اسمه في صفحاته ، كما حفظ استجابة الحكومة الامريكية لمطالبه بالموافقة على اعطاء السود حق التصويت في الانتخابات وشطب كلمة “نيجرو” اي “اسود” من السجلات للأبد.